سورة الأعلى - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعلى)


        


{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)}
{سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} يعني قل: سبحان ربّي الأعلى، وإلى هذا التأويل ذهب جماعة من الصحابة والتابعين، وقال قوم معناه: نزّه ربّك الأعلى عما يقول فيه الملحدون ويصفه به المبطلون، وجعلوا الاسم صلة، ويجوز أن يكون معناه، نزّه ذات ربّك عما لا يليق به، لأن الاسم والذات والنفس عبارة عن الوجود والإثبات.
وقال آخرون: نزّه تسمية ربّك وذكرك إياه إن تذكره إلاّ وأنت خاشع معظّم ولذكره محترم، وجعلوا الاسم بمعنى التسمية، وقال الفراء: سواء قلت سبح اسم ربّك أو سبح باسم ربّك إذا أردت ذكره وتسبحيه، وقال ابن عباس: صلِّ بأمر ربّك الأعلى.
{الذي خَلَقَ فسوى} فعدل الخلق {والذي قَدَّرَ} خفّف عليّ والسلمي والكسائي داله، وشدَّدها الآخرون.
{فهدى}: قال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر والسعادة والشقاوة وهدى الأنعام لمراتعها، وقال مقاتل والكلبي: عرّف خلقه كيف يأتي الذكر الانثى، وعن عطاء قال: جعل لكل دابة ما يصلحها وهذا حاله، وقيل: هدى لإكتساب الأرزاق والمعاش، وقيل: خلق المنافع في الأشياء وهدى الإنسان لوجه إستخراجها منه، وقيل: هدى لدينه مَنْ يشاء من خلقه. قال السدي: قدر الولد في الرحم تسعة أشهر، أقل، أو أكثر، وهدى للخروج من الرحم.
وقال الواسطي: قدّر السعادة والشقاوة عليهم ثم يسّر لكل واحد من الطالعين سلوك ما قدّر عليه، وقيل: قدّر الأرزاق فهداهم لطلبها، وقيل: قدّر الذنوب على عباده ثم هداهم إلى التوبة.
{والذي أَخْرَجَ المرعى} النبات من بين أخضر وأصفر وأحمر وأبيض.
{فَجَعَلَهُ غُثَآءً} هشيماً بالياً، {أحوى} أسود إذا هاج وعتق. {سَنُقْرِئُكَ}: سنعلمك ويقرأ عليك جبريل، {فَلاَ تنسى * إِلاَّ مَا شَآءَ الله} أن تنساه وهو ما ننسخه من القرآن، وهذا معنى قول قتادة، وقال مجاهد والكلبي: كان النبي عليه السلام إذا نزل جبريل بالقرآن لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوله مخافة أن ينساها فأنزل الله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} فلم ينس بعد ذلك شيئاً، ووجه الاستثناء على هذا التأويل ما قاله الفراء: لم يشأ أن ينسى شيئاً، وهو كقوله سبحانه: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ} [هود: 107]، وأنت تقول في الكلام لأعطينّك كل ما سألت إلاّ ما شاء أن أمنعك والنية أن لا تمنعه، وعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ونية الحالف النمّام.
وسمعت محمد بن الحسن السلمي يقول: سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: كان يغشي الجنيد في مجلسه أهل النسك من أهل العلوم وكان أحد مَنْ يغشاه ابن كيسان النحوي، وكان في وقته رجلا جليلا فقال له يوماً: يا أبا القاسم ما تقول في قوله سبحانه: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى} فأجابه مسرعاً كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات: لا تنسى العمل به، فأعجب ابن كيسان به إعجاباً شديداً وقال: لا يفضض الله فاك مثلك من يصدر عن رأيه.
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر} من القول والفعل {وَمَا يخفى}: قال محمد بن حامد: يعلم إعلان الصدقة واخفاءها. {وَنُيَسِّرُكَ لليسرى} لعمل الجنّة، وقيل: هو متصل بالكلام الأول معناه: نعلم الجهر مما تقرأه يا محمد على جبريل إذا فرغ من التلاوة عليك، وما يخفى ما تقرأه في نفسك مخافة ان تنساه. ثم وعده فقال: {وَنُيَسِّرُكَ لليسرى} أي يهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعلمه وتعمل به، وقيل: ويوفقك للشريعة اليسرى، وهي الحنفية السمحة.
{فَذَكِّرْ} عظ بالقرآن {إِن نَّفَعَتِ الذكرى} التذكر {سَيَذَّكَّرُ} سيتّعظ {مَن يخشى} الله سبحانه {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى} يعني ويتجنب التذكرة ويتباعد عنها. {الأشقى} الشقي في علم الله سبحانه. {الذى يَصْلَى النار الكبرى * ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح {وَلاَ يَحْيَا} أي حياة تنفعه.
وسمعت السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت أبا القاسم البزاز يقول: قال إبن عطا: لا يحيى فيستريح عن القطيعة ولا يحيا فيصل إلى روح الوصلة.


{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}
{قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى}: أي تطهّر من الشرك وقال: لا إله إلاّ الله، هذا قول عطاء وعكرمة ورواية الوالي عن ابن عباس وسعيد بن جبير عنه أيضاً، وقال الحسن: من كان عمله زاكياً، وعن قتادة: عمل صالحاً وورعاً، وعن أبو الأحوص: رضح من ماله وادّى زكاة ماله، وكان ابن مسعود يقول: رحم الله إمرءاً تصدّق ثم صلّى ثم يقرأ هذه الآية، وقال آخرون: هو صدقة الفطر، وروى أبو هارون عن أبي سعيد الخدري، في قوله سبحان: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} قال: أعطى صدقة الفطر.
{وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} قال: خرج إلى العيد فصلى.
وروى عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر إذا صلّى الغداة يعني من يوم العيد قال: يا نافع أخرجت الصدقة فإن قلت نعم مضى إلى المصلّى وإن قلت لا قال: فالآن فأخرج، فإنما نزلت هذه الآية في هذا {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} {وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى}: وروى مروان بن معاوية عن أبي خالد قال: دخلت على أبي العالية فقال لي: إذا غدوت غداً إلى العيد فمرّ بي، قال: فمررت به فقال: هل طمعت شيئاً؟ قلت: نعم، قال: أفضت على نفسك من الماء، قلت: نعم، قال: فأخبرني ما فعلت زكاتك؟ قلت: قد وجهتها قال: إنما أردتك لهذا ثم قرأ {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} وقال: إنّ أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ومن سقاية الماء، ودليل هذا التأويل ما أخبرني الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن علي الهمداني قال: حدّثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن إسحاق الأصبهاني قال: حدّثنا حاتم بن يونس الجرجاني قال: حدّثنا دحيم قال: حدّثنا عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جدّه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} قال: «أخرج زكاة الفطر، وخرج إلى المصلى فصلّى».
قلت: ولا أدري ما وجه هذا التأويل، لأن هذه السورة مكيّة بالإجماع ولم يكن بمكّة عيد، ولا زكاة فطر والله أعلم.
{وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ}: أي وذكر ربّه، وقيل: وذكر تسمية ربّه، وقيل: هو تكبير العيد، فصلّى صلاة العيد، وقيل: الصلوات الخمس. يدل عليه ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد ابن عبد الله قال: حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثنا عباد بن أحمد العمري قال: حدّثنا عمّي محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء بن السائب عن ابن سابط عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} قال: «من شهد أن لا إله إلاّ الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله» {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} قال: «هي الصلوات الخمس، والمحافظة عليها حين ينادى بها، والإهتمام بمواقيتها، وقيل: الصلاة ههنا الدعاء».
{بَلْ تُؤْثِرُونَ}، قراءة العامة: بالتاء وتصديقهم قراءة أُبيّ بن كعب، بل وأنتم تؤثرون، وقرأ أبو عمرو بالياء، يعني الاشقين. قال عرفجة الأشجعي: كنا عند إبن مسعود، فقرأ هذه الآية، فقال لنا: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة. قلنا: لا، قال: لأن الدنيا أحضرت لنا، وعُجّل لنا طعامها وشرابها نساؤها ولذتها وبهجتها، وإن الآخرة غيبت لنا وزويت عنا، فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل.
{والآخرة خَيْرٌ وأبقى * إِنَّ هذا} الذي ذكرت في هذه السورة، وقال الكلبي: يعني من قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} إلى آخر السورة، وقال ابن زيد يعني قوله: {والآخرة خَيْرٌ وأبقى} قال قتادة: تتابعت كتب الله كما تسمعون إنّ الآخرة خيرٌ وأبقى.
الضحّاك: إنّ هذا القرآن، {لَفِي الصحف} الكتب {الأولى} واحدتها صحيفة، {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} يقال: إنّ في صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه، وقال أبو ذر: قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً» قال: قلت: يا رسول الله كم المرسلون منهم؟
قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر وبقيّتهم أنبياء» قلت: أكان آدم نبياً؟ قال: نعم كلمه الله سبحانه وخلقه بيده، يا أبا ذر أربعة من الأنبياء عرب: هود وصالح وشعيب ونبيك. قلت: يا رسول الله كم أنزل الله من كتاب؟
قال: «مائة وأربع كتب، منها على آدم عشر صحف، وعلى شيث خمسين صحيفة، وعلى أخنوح، وهو إدريس ثلاثين صحيفة، وهو أوّل من خطّ بالقلم، وعلى إبراهيم عشر صحائف، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان».